لا تذهب إلى الجامعة غدًا

يضيع الشاب في بلد كمصر سنوات من عمره في دراسة القانون، لا حبًا في القانون ولا رغبةً في نصرة المظلومين والدفاع عن أصحاب الحقوق، ولكن لأن مكتب تنسيق الجامعات قرر أن الجهد الذي بذله في الثانوية العامة يوصله إلى كلية الحقوق فحسب، ضمن الآلاف غيره في كل عام، وبينما يؤدي ما عليه من واجبات الحضور والمذاكرة والامتحانات لنيل درجة جامعية في الحقوق يظل قلبه متعلقًا بيوم التخرج ليبدأ دراسة الحاسبات كي يصبح مبرمجًا ماهرًا.

عدد المسجلين في نقابة المحامين – كمثال – مقارنًا بعدد من يمارسون المحاماة، مقارنًا بعدد من برعوا في هذا المجال سيغنيك عن المزيد من الأمثلة، إذا كنت تميل لفن البرمجة وترى في نفسك ما لا يراه مكتب التنسيق فليذهب مكتب التنسيق ووزارة التعليم العالي إلى الجحيم، انج بنفسك وأنقذ ما يمكنك إنقاذه من أفضل سنين عمرك.

اترك الجامعة اليوم إذا لم تكن في المكان المناسب لتعلّم ما تريد أن تعمل به، ولا تقلق فعدد لا بأس به من الناجحين في أعمالهم لم ينالوا درجات جامعية في المجال الذي برعوا فيه، بعضهم لم يكمل حتى تعليمه الأساسي قبل الجامعي، ولا يعني هذا ألا تتعلم ما ستعمله، لكن من قال أن العلم الذي تريده في الجامعات وحدها؟ وما قيمة الدرجة العلمية (أو الشهادة كما يسميها العوام) إذا كنت لن تعمل بها أو حتى تنتفع بما تعلمته؟

لقرن كامل تقريبًا كانت الشهادة الدراسية كافية لنيل درجة من الاحترام في المجتمع، يومًا ما كانت الابتدائية تكفيك، بل يكفيك أن تعلن في فخر أنك "ساقط ابتدائية" لتنال درجةً ما من الاحترام، ثم صارت الثانوية العامة، فلما كثر عدد حاملي البكالوريا (الثانوية العامة) صارت شهادة الجامعة هي الحد الأدنى للاحترام، الآن حتى الحصول على “شهادة جامعية” لم يعد كافيًا لتلبية رغبات المجتمع القديمة، فلماذا تكترث أصلًا؟ لم نعد بلد شهادات كما كنا نسمع في طفولتنا، الأطباء يعانون من الكادر أو من أجل الكادر، لا أعرف حقًا، سمعت هذه الكلمة ولم أهتم بمعرفة التفاصيل، المهم أنهم أطباء وأنهم ضحوا بالكثير كي يصبحوا كذلك، وأنهم الآن يعانون.

أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب هي مقولة رغم كثرة تداولها لا تصلح إلا لفيلم آخر من أفلام السبكي الرديئة، ما معنى أن تستمر في عمل لا تحبه أصلًا؟ وأن تستمر فيه وعيناك على عمل آخر! وأنت تظن أو تنوي أنك يومًا ما ستترك عملك وما وصلت فيه من إتقان وخبرة كي تبدأ عملًا آخر من الصفر، ما معنى أن تدرس شيئًا لا يهمك وأن تحصل فيه على شهادة وأنت تريد أن تتركه لتعمل في مجال مختلف، هذا خداع للنفس، وما أسوأ أن تخدع نفسك، سينتهي بك الأمر إما الاستمرار في هذا الذي لا تحبه، تؤديه مرغمًا كارهًا، لأن الحب لا يأتي بالتكرار، ستعتاده لكنك لن تبدع فيه، أو أنك وهذا في ظني ما سيحدث، ستقبل بالواقع الذي استسلمت له، ولن تعمل أبدًا ما كنت تحب أن تعمل من البداية.

إن كل عمل غير متقن صادفته في حياتك من بناية تنهار على رؤوس سكانها إلى وجبة طعام سيئة، ليس إلا نتيجة أن من قام بهذا العمل لا يتقنه، غالبًا هو واقع في دوامة عمل ما لا يحب حتى يتمكن يومًا من عمل ما يحب، فلا هو أحب عمله في المطعم ولا هو ترك المطاعم لمن يهتم بها ويتقنها وبدأ عملًا آخر يتقنه وربما يحبه.

أتوقّع لو أننا سألنا عينة كافية من طلبة الكليات الرخيصة (تلك التي يرمي فيها مكتب التنسيق كسالى الثانوية العامة) عن العمل الذي يرغبون فيه بعد التخرج، لكانت النتيجة بأغلبية ساحقة لصالح برمجة الحاسوب، هذه هي الصرعة (الموضة) منذ عرف الناس الحاسوب وإنترنت، لكنهم مع ذلك مستمرون في دراستهم للحصول على الشهادة واعتراف المجتمع بأنهم بارعون في ذلك الذي لن يعملوا به.

إذا رأيت بعد التفكير المنطقي السليم وبحث الأمر من كل جوانبه أنك حقًا في المسار الخاطئ، وأنك تعرف من نفسك وقدراتك ما ستبرع فيه يومًا، فلا تضيع يومًا آخر بالذهاب للجامعة غدًا.

في مقال قادم إن شاء الله سأخبر والديك لماذا كان عليهما ألا يرسلوك للمدرسة من البداية، ولماذا يجب عليك أن تعلم أولادك في المنزل إن أردت لهم الخير.

تحديث: كتبت مقالًا جديدًا كما وعدتك عن التعليم المنزلي ربما يوفر على ابنك قراءة هذا المقال يومًا ما.