مقدمة إلى التعليم المنزلي ولماذا يجب عليك أن تعلم أولادك في البيت
التعليم المنزلي هو اتجاه الآباء لتعليم وتربية أولادهم في المنزل، كبديل لنظام التعليم المدرسي التقليدي، ويعتمد هذا النظام البديل على تلقين الآباء العلوم واللغات وغيرها من المواد التي تدرس في المدارس لأطفالهم في البيت، بدلًا من إلحاقهم بالمدارس، وذلك لمنحهم تعليمًا وتربيةً أفضل من أقرانهم الذين يتكدسون في حجرات الدراسة لينالوا شهادات دراسية لا تعبر عن مستوى حقيقي من التعليم، وهم بذلك يقدمون حلًا لمشكلة واضحة في تنشئة الأطفال نتجت عن خلل في نظام التعليم بالمدرسة.
بدأت هذه الطريقة في الانتشار في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أخرى حول العالم، وأنشأ المهتمون بهذا النمط من التربية نواد للآباء ومجموعات مناقشة، وألف فيها الخبراء عدداً لا بأس به من الكتب، لكن المصادر العربية ليست كافية، لذلك أحاول هنا أن أساعد الآباء في البلدان العربية على فهم النظام والانتقال له بسهولة.
هل التعليم المنزلي يغني عن المدرسة؟
هذا أكثر ما يسألني عنه الآباء المهتمون بالفكرة، وهذا السؤال يحتوي على مغالطة منطقية معروفة اسمها السؤال المشحون، لأنهم يفترضون مقدمًا أن المدرسة أساسية وضرورية وأن التعليم المنزلي ليس إلا بديلًا لها، وهذا ببساطة غير حقيقي.
الحقيقة أن المدرسة التي كنا نعدها طول حياتنا البائسة ضرورة لا بد منها كالماء والهواء ليست ضرورة، أولادنا لا يحتاجون إليها ليعيشوا حياةً سعيدة، ولا هم بحاجة لها ليضمنوا مستقبلًا أفضل، لا في سوق العمل ولا في الحياة الاجتماعية، كما أننا لم نكن بحاجة إليها كما توهّم آباؤنا وهم يرسلوننا إليها وسط دموعنا وصراخنا، المدارس طريقة استحدثها البشر وجربوها وثبت فشلها، المدارس ليست المكان الوحيد لتعلم الفيزياء والحساب والتاريخ، مع أن هناك من أوهم البشر بذلك حتى صار أمرًا لا يقبل الجدال ولا يخطر ببالنا أن نتساءل عن جدواه أو صحته.
لآلاف السنين، منذ أبينا آدم عليه السلام حتى وقت قريب، كان الناس يربون ويعلّمون أولادهم بأنفسهم في البيوت، الراعي يعلم ابنه الرعي، والنجار يعلم ابنه النجارة، وحتى الطبيب يمكن أن يعلم ابنه الطب، وقبل مرحلة التخصص المهني كان الآباء في سن مبكرة ينقلون كل خبراتهم في الحياة ومعارفهم لأبنائهم، والأمهات ينقلن كل ما يعرفنه من شؤون تدبير البيت والطهي لبناتهن، كان هذا رائعًا وكافيًا حتى نشأت الدول الحديثة.
انتشرت المدارس مع الشكل الحديث للدولة، فصار التعليم المدرسي أو النظامي إلزاميًا، لا لأنه ينفع الناس ولا لأنه كما تزعم الحكومات ينفع الأمم والدول، وإنما لأنه في الحقيقة ينفع أصحاب النفوذ ورجال الأعمال وأصحاب المصالح، المتحكمين في المال والقانون، الذين يريدون ملايين من العاملين والموظفين لشركاتهم، لأنه يخرج لهم أجيالًا لا تفقه من الحياة إلا القليل، والأهم من ذلك أنها مدجنة، تسمع وتطيع، لا تعارض ولا تناقش ولا حتى تفكر فيما تمليه عليها الإدارة، قيام وجلوس، شمس وقمر، نعم وحاضر، هل يستحق هذا أن توقف حياتك كلها من أجل أن تمنحه لأولادك؟
كل هذا جميل لكن مع ذلك المدرسة تفيد الأولاد.
لا أحد يقول أن المدرسة عديمة الفائدة، لكننا نقول أنها:
- أضرارها أكبر من فوائدها
- يمكن الحصول على فوائدها في البيت
أحد الفوائد المزعومة للمدرسة أنها تعلم الأطفال التواصل الاجتماعي وتكسبه خبرات حياتية عن طريق أولاد آخرين في نفس عمره، وهذا غير صحيح، وللتأكد من بطلان هذا الادعاء راجع معي البرنامج الدراسي، من طابور الصباح إلى جرس الانصراف لا يسمح - قانونًا - للأطفال بالتواصل الاجتماعي إلا في وقت "الفسحة"، أما الحصص فالطفل مجبر فيها على الصمت التام ولا يتكلم إلا بإذن من معلمه، وإذا تجرأ على الكلام مع زميله فهو بذلك يخرق قانون المدرسة، وعندها إما أن يضبطه المعلم فيعاقبه على هذه المخالفة أو يعنفه، وإما أن يكون ماهرًا في الافلات من العقاب، فيكذب ويدعي أنه لم يتكلم أو يتكلم همسًا حتى لا يسمعه المعلم، في كل الأحوال الطفل يوضع في بيئة أقرب للسجن منها للحياة الطبيعية، ففي الحياة الطبيعية لا أحد يفرض عليك الصمت ويعاقبك على الكلام لمدة 5 ساعات تقريبًا كل يوم.
ومن أضرار المدرسة أنك تعرّض أولادك للوقوع ضحية لأولاد آخرين لا خلاق لهم، يسمونهم "المتنمرين"، وهم الأولاد الذين يستمتعون بالسخرية من زملائهم وعمل المقالب فيهم والسطو على ممتلكاتهم، وقد تصل إلى إيذائهم جسديًا، وهذا الضرر لا يُمحى أثره من نفس طفلك بمجرد اعتذار والد المتنمّر عن أفعاله، وغالبًا لا يتوقف المتنمرون عن أذى زملائهم حتى ينتقلوا إلى مدارس أخرى، بعض الناس مازالوا يتأثرون بمشاكل تعرضوا لها في المدرسة حتى عمر متأخر.
كيف أعلم أولادي في المنزل وأنا لست معلمًا!
العقبة الكبرى أمام الآباء ليست اقتناعهم بضرورة التعليم المنزلي، جلسة واحدة تكفي لإقناع أي عاقل بضرر المدرسة وفوائد التعليم المنزلي، المشكلة فيما بعد الاقتناع، كيف أبدأ، وكيف أعلمهم بنفسي إذا كنت أنا نفسي لا أعلم، كيف أعلمهم وقد كنت أكره الفيزياء ولا أذكر كلمة واحدة من حساب المثلثات. الإجابة بسيطة أختصرها لك فيما يلي.
- أنت غير ملزم بتعليمهم كل شيء بنفسك. يمكنك الاستعانة بمعلمي المدارس، أعطهم دروسًا خاصة كالتي كانوا سيحتاجونها لو ذهبوا للمدرسة، كما يمكنك الاستعانة بالأقارب والجيران والأصدقاء، كلٌ يساعد في تعليمهم حسب تخصصه. تقول في نفسك وماذا وفّرت إذا كنت سألجأ للدروس الخاصة؟ وفرت الكثير، وفرت الساعات الطويلة التي تضيع في المدرسة، كما أنك غير ملزم بمعلمين بعينهم ولا بوقت مفروض عليك، والضغط الذي تضعه الحكومة على الطلاب لا يلزم أولادك، بذلك يصبح ما هو عذاب للآخرين متعة لهم، والفائدة أكبر لأن ما يحفظه غيرهم ليجتروه في ورقة الإجابة وينسونه على باب اللجنة، يفهمه أولادك من غير إجبار ولا اضطرار لحفظ.
- أنت غير ملزم بمناهج المدارس. هناك مناهج أبسط، وأمتع لك ولهم، وأكثر تطورًا من مناهج المدارس العتيقة، وهناك مناهج مصممة للتعليم المنزلي، ولأنك تعلمهم طول العام ولا تلتفت لامتحانات ولا طوابير الصباح فالعام كله أمامهم ليتعلموا أفضل.
- الأمر لا يتوقف على مناهج المدرسة، فهناك مهارات وأنشطة أخرى ضرورية تهملها المدارس. هناك حديقة الحيوان والمتاحف والمصانع والحقول، فيها ما لا يقل أهمية عن الكتب. وهناك النادي وحمام السباحة وتدريب الفنون القتالية وغيرها من الرياضات التي لا يجد أولاد المدارس وقتًا لها، هذا نصف ما يحتاجونه في حياتهم والمناهج هي النصف الآخر وربما أقل من النصف.
- مناهج المدرسة أتفه مما تظن، يمكنك تعليمهم مناهج المرحلة الابتدائية في عام واحد، بل يمكنك جمع مناهج المدارس من أول يوم في المدرسة إلى آخر يوم في امتحانات الثانوية العامة، يمكنك جمعها في بضعة كتب، كتاب واحد لكل مادة، كتاب واحد يجمع الجغرافيا من أول الصف الرابع الابتدائي إلى الثالث الثانوي، كل ما عليك أن تعلمهم القراءة والكتابة وأن تضعهم في مكتبة مع طعامهم وشرابهم وأغلق عليهم، الأمر ليس بهذه الصورة طبعًا لكنه بهذه السهولة، الإنجليزية التي تدرس في ست سنوات يكفيها عام واحد في مركز محترم ليتعلم ابنك الإنجليزية ويبدأ في قراءة كتب مفيدة لم تترجم بعد، بينما مازال أولاد المدارس يتوهون في الفرق بين الماضي التام والمضارع البسيط وباب يعني window و rat يبقى قط.
- التربية أهم من التعليم، وأنت على كل حال ملزم بالتربية سواء أرسلتهم إلى المدرسة أو علمتهم في البيت، وسوف تقرأ وتتعلم فنون التربية سواء علمتهم في المدرسة أو البيت، ببساطة أنت أب والموضوع خرج من يدي، فلا بد لك من أن تساهم في تربية وتعليم أبنائك، ولا بد من أن تتعلم ولو أن تقرأ بضعة كتب عن التربية، وذلك أضعف الأبوة.
إن كان لك سؤال أو تهتم بالموضوع أو لديك أولاد تريد تعليمهم في المنزل فانضم لمجموعة التعليم المنزلي على فيسبوك للتواصل مع آباء آخرين مثلك يبحثون عن مستقبل أفضل لأولادهم. انضم الآن