كيف تصنع رجلًا
نصائح لتربية الصبيان
أول ما تبدأ به مع الصبي من أمر الخشونة؛ أن تعلمه قلة الاهتمام لما يأكل، و ما يلبس، و أين ينام.
لقّنه الرضا بالمتاح، وأن يحمد الله تعالى عليه. فطعامٌ سد جوعه كافٍ وإن لم يعجبه، و ثوب ستر جسده محمودٌ وإن كان دون ثياب الناس، والنوم إن لم يتيسر على فراشه فلا يضطرب، بل ينام أينما اتفق. وعلمه أن شأن المسلم أكبر من أن يكون عبدًا لفراشه و بطنه، وحدثه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأنه كان ربما نام على الحصير وأكل الخل أو عَصَّبَ بطنه من الجوع، ونحو ذلك من سير الصحابة والتابعين والأئمة والقادة والملوك وأعلام الرجال.
ثم عوّده ترك التشكي من العوارض الزائلة: كالحر والبرد، والجوع والعطش، والمرض الخفيف، وإنها وإن آذته فلا تعيقه عن القيام بشأنه، وأنه إن تجلد وصبر عليها ساعات قلائل فسيجدها قد زالت، وعلمه أن التشكي من طبع النساء، وأن الشكوى لغير الله لا تزيد صاحبها إلا همًا ولا ترفع عنه البلاء.
عوّده أن ينفر من سماع الأغاني والموسيقي، وجنبه رؤية الأطفال الراقصين في القنوات والمقاطع والحفلات، ولا تتركه يرقص مثلهم بحجة أنه لازال طفلا وأن الجميع يفعل ذلك، أخبره أن الرقص من شأن الإناث، وأن الرجال لا ترقص!
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه.
جنّبه الأفعال التي تدور حول نفسه والإعجاب بها، مثل كثرة التقاط صور شخصية له ونشرها في إنترنت، وكثرة النظر في المرآة، وكثرة تصفيف شعره، والتأنق في ملبسه. انهه عن ذلك برفق، واشرح له أن التواضع في اللباس والهيئة من الإيمان، وعلمه أن الله جميل يحب الجمال، وأنه ينبغي للرجل أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، وأن يكون شعره مهذبًا لا يخرج للناس ثائر الشعر كأنه شيطان، وأن كل ذلك يكون بغير إسراف ولا تبذير ولا تشبه بالكافرين.
جنّبه كثرة مخالطة النساء ومجالستهن، واحجبه عن مصاحبة الصبيان المائعين المتخنثين، فإن طول الصحبة تورث التطبع، وعلمه أن أحاديث النساء والميوعة لا تليق بالرجل، وأنه لا ينبغي له إذا بلغ الحلم أن ينبسط إلا لمحارمه. واصحبه معك دومًا إلى مجالس الرجال، وعلمه كيف يصافحهم كرجل ويتكلم معهم كما يتكلمون، ولا تجعل أحدًا من أصحابك يكلم ابنك كأنه صبي، بل اطلب منهم أن يعاملوه كرجل قصير لا أكثر.
علمه كيف يبيع ويشتري ويقضي حوائج البيت، وكيف يعد المال ويحسب، وأن يغار على النساء فلا يقعد هو بينما تخرج أخته لشراء شيء أو حتى لتفتح الباب لطارق. لا يحتاج هذا للانتظار عشرين سنة حتى يتعلمه، وقد رأينا الصبيان دون العاشرة تقضي حوائج البيت ورجالًا جاوزت الثلاثين يجلس في قعر البيت وأمه تخرج لتتسوق.
لقّنه ترك التملق والتصنع في حديثه، وكل ما فيه نوع وضاعة أو خسة نفس، مما هو مذموم من أمر الرجال، مثل المسكنة والتذلل في طلبه، بل ينبغي أن يعتاد أن يطلب بعزة نفس، فإن أُجيب طلبه وإلا صَمت.
واقتصد في الثناء عليه، حتى لا يفقد الثناء قيمته، فلا تبالغ في وصفه بالبطولة والعبقرية ونحو ذلك على أفعال صغيرة.
ولا تتساهل معه في كل ما يطلب. فإن الرفض وإن كان ثقيلا على قلب الأبوين الشفيقين إلا أن الصبي إذا أجيبت كل طلباته كان ذلك يفسده أكثر مما يصلحه، فالحياة التي سيعيشها لا تجري على هذا النمط ولا يحصل المرء فيها على كل ما يرغب.
ولكن عوده أن يكتسب ما يريد بيده اكتسابًا. فمثلا إذا أراد لعبة، فعليه أن يعمل لينالها، كأن يساعد في تنظيف الحديقة. فتكون اللعبة مكافأة قد حصل عليها بعد بذله لبعض الجهد، وليس لأنه طلبها فحسب، فيفهم أن هذا شأن الحياة، لا يحصل الإنسان فيها على مراده لأنه رغب فيه أو تمناه فحسب، وإنما يحصل عليه إذا بذل جهدا للوصول إليه.
علمه الصلاة وأمره بها، وهو مقلدك إذا رآك تصلي وتعتاد المسجد، لكن حديث تعليم الصبي الصلاة لسبع وضربه عليها لعشر لا يصح. والأصل أن يأمر الرجل أهله بالصلاة، لكن لا يحل ضرب الصبي لأي سبب لأنه غير مكلف أصلا ولا حساب عليه.
ولا تطلع الشمس على الرجل وهو نائم، فإذا كان ابن سبع فعلمه القيام للفجر مع أول ما يتعلم من الصلاة، وما أيسر ذلك إذا اعتاد النوم بعد العشاء ولم يتعود السهر، ولا تسمع لأمه إذا قالت دعه فإنه صبي وسيتعلم كل شيء حين يكبر، فإن العود إذا لم يستقم في الصغر كبر أعوجًا، فإذا أردت تقويمه كبيرًا كسرته.
كل هذا مع الرفق والتدرج والتكرار حتى يجد الفتى نفسه حين يبلغ وقد صارت هذه الأخلاق طبيعة وسجية فيه غير متكلفة. وأُشدّد على أمر الرفق والتدرج والتكرار، فاكتساب الأخلاق وتكوين العادات يحتاج وقتا.